×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

وقوله: «وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْعَمَى وَالصَّمَمَ وَالْبَكَمَ لِلْقَلْبِ بِالذَّاتِ والْحَقِيقَةُ، وَلِلْجَوَارِحِ بِالْعَرَضِ وَالتَّبَعِيَّةِ» إذا عَمِي القلبُ عَمِيَتِ الْجوارحُ؛ لأن الجَوارح تابعةٌ للقَلب، وهو الأصلُ الذِي يحرِّكها. قالَ تَعالى: {أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ} [الحج: 46] ، يَمرُّون على مَواطن الكَفَرة - كدِيار ثَمود وغَيرهم - ولا يَتَّعظون بما حَلَّ بهم.

وأغلبُ الناسِ لا يَذهبون إليهَا إلا مِن بَاب التَّعظيم والافتخارِ بها، ويَقولون: هَذه حَضارة ورُقِي عِندهم، ولا يَقولون: هَؤلاء كُفار، وأن اللهَ أخلَى مساكنَهم عُقوبة لهم: {فَتِلۡكَ بُيُوتُهُمۡ خَاوِيَةَۢ بِمَا ظَلَمُوٓاْۚ} [النمل: 52] ، {فَتِلۡكَ مَسَٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ } [القصص: 58] . لا يَعتبرون هذا الاعتبارَ، وإنما يَنظرون إليها نظرةَ تعظيمٍ، وأنها حضارةٌ ورُقِي.

وقوله: «وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْعَمَى الْحِسِّيِّ عَنِ الْبَصَرِ»، فقد يكونُ بصرُه قويًّا يَرى الهِلال، لكِن قَلبه ليسَ فيه بَصيرةٌ: { فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ }، فعمَى البصرِ يحصُل للمُؤمنِ والكافرِ، والتَّقِيّ والفاجِر، أما عمَى البَصيرة فهَذا لا يحصُل إلا للأشقياءِ والعِياذُ باللهِ.

ولذلكَ أسقطَ اللهُ عز وجل الجِهاد عَن الأعمَى: {لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ}؛ لأنه لا يُبصِر، فليسَ عليه حَرَج ألاَّ يخرجَ إلى الغَزو، وكذلكَ الأعرَج والمَريض: { وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ}، لِما فِيهم من الآفاتِ البَدَنِيّة التي تَمنعهم مِن الخُروج إلى الجِهاد، فليسَ عليهم حَرَج.


الشرح