×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

وعاتبَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم لما أعرضَ عن الأعمَى: { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ ٢}، هو: عبدُ اللهِ بن أمِّ مَكتومٍ رضي الله عنه ، ما ضرَّه عمَى بصرِه؛ لأن عِنده بَصيرة وقَلبًا حيًّا.

وقَد كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَشغولاً بأكابرِ قُرَيش، حِرصاً على إيمانِهم وتَألُّفهم، فجاءَ ابنُ أمِّ مَكتومٍ يَسأله، فأعرضَ عنه، فعَاتبه اللهُ على ذلكَ: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ ٢وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ ٣أَوۡ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكۡرَىٰٓ ٤أَمَّا مَنِ ٱسۡتَغۡنَىٰ ٥} يَعني: كُفار قُريش { فَأَنتَ لَهُۥ تَصَدَّىٰ} تَستقبله {وَمَا عَلَيۡكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ ٧وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسۡعَىٰ ٨وَهُوَ يَخۡشَىٰ ٩فَأَنتَ عَنۡهُ تَلَهَّىٰ ١٠} [عبس: 1- 10] .

هذا عِتاب مِن اللهِ عز وجل لنبيِّه فيما جرَى لعبدِ اللهِ بن أمِّ مكتومٍ الأعمَى، والذِي جاءَ راغباً ومُقبلاً، فليسَ هو كالمُعرِض المُستكبر، ولو كانَ أعمَى.

فالعَمى التَّام هو عَمى القلبِ، أما عَمى البَصَر فلا يَضُر، فقد يكُون الإنسانُ أعمَى البصرِ لكِنه أَحْذَق مِن المُبصِر، وهَذا شيءٌ، مَعروف، فكَثير مِمَّن أُصِيبوا بالعَمى نَجِدهم أحذقَ مِن المُبصِرين، وما ضَرَّهم عمَى البصرِ، إنما الذِي يَضُرّ هو عمَى القلبِ؛ لأنه لا يكُون عِنده بَصيرة.

وقوله: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ»، الذِي يَصرعُ الناسَ بقُوةِ بَدنه، هذا ليسَ هو القَوِي في الحَقيقة، وإنما القَوِي الذِي يَقوى على نَفسه فيَصرعها عَن هَواها، ويَرُدّها عَن غَيِّها، ويَتغلَّب عَليها.

وقوله: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ»، المِسكين حَقيقة هو الفَقير الذِي يَستحي أن يسألَ الناسَ،


الشرح