وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَا
اقْتَرَنَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَعِيدٌ مِنْ لَعْنٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ عُقُوبَةٍ
فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَمَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ
صَغِيرَةٌ.
وَقِيلَ: كُلُّ مَا
تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ وَعِيدٌ فِي الآْخِرَةِ، فَهُوَ
كَبِيرَةٌ، وَمَا لَمْ يُرَتَّبْ عَلَيْهِ لاَ هَذَا وَلاَ هَذَا، فَهُوَ
صَغِيرَةٌ.
وَقِيلَ: كُلُّ مَا
اتَّفَقَتِ الشَّرَائِعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمَا كَانَ
تَحْرِيمُهُ فِي شَرِيعَةٍ دُونَ شَرِيعَةٍ فَهُوَ صَغِيرَةٌ.
وَقِيلَ: كُلُّ مَا لَعَنَ
اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ فَاعِلَهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ ([1]).
وَقِيلَ: كُلُّ مَا ذُكِرَ
مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى قَوْلِهِ: {إِن تَجۡتَنِبُواْ
كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ} [النِّسَاءِ: 31] ([2]).
وَالَّذِينَ لَمْ
يُقَسِّمُوهَا إِلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ، قَالُوا: الذُّنُوبُ كُلُّهَا
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَرَاءَةِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمَعْصِيَتِهِ
وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، كَبَائِرُ، فَالنَّظَرُ إِلَى مَنْ عَصَى أَمْرَهُ
وَانْتَهَكَ مَحَارِمَهُ، يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الذُّنُوبُ كُلُّهَا كَبَائِرَ،
وَهِيَ مُسْتَوِيَةٌ فِي هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ.
قَالُوا: وَيُوَضِّحُ هَذَا
أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لاَ تَضُرُّهُ الذُّنُوبُ وَلاَ يَتَأَثَّرُ بِهَا،
فَلاَ يَكُونُ بَعْضُهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَكْبَرَ مِنْ بَعْضٍ، فَلَمْ
يَبْقَ إِلاَّ مُجَرَّدُ مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ
بَيْنَ ذَنْبٍ وَذَنْبٍ.
قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَفْسَدَةَ الذُّنُوبِ إِنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ لِلْجَرَاءَةِ وَالتَّوَثُّبِ عَلَى حَقِّ الرَّبِّ تبارك وتعالى ، وَلِهَذَا لَوْ شَرِبَ رَجُلٌ خَمْرًا، أَوْ وَطِئَ فَرْجًا حَرَامًا، وَهُوَ لاَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ، لَكَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْجَهْلِ وَبَيْنَ مَفْسَدَةِ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ، لَكَانَ آتِيًا بِإِحْدَى الْمَفْسَدَتَيْنِ،
([1])ينظر تفصيل هذه الأقوال في: تفسير الطبري (2/38 -43).