وَمِنْ هَذَا: شِرْكُ مَنْ عَطَّلَ أَسْمَاءَ
الرَّبِّ تَعَالَى وَأَوْصَافَهُ وَأَفْعَالَهُ مِنْ غُلاَةِ الْجَهْمِيَّةِ
وَالْقَرَامِطَةِ، فَلَمْ يُثْبِتُوا لَهُ اسْمًا وَلاَ صِفَةً، بَلْ جَعَلُوا
الْمَخْلُوقَ أَكْمَلَ مِنْهُ، إِذْ كَمَالُ الذَّاتِ بِأَسْمَائِهَا
وَصِفَاتِهَا.
****
الشرح
قولُه: «فالمُشْرِكُ لم يَقْصِدِ الاستهانةَ
بجَنَابِ الرُّبوبيَّة، وإِنَّما قَصَدَ تعظيمَه» لكنَّه تعظيمُ خَطَأٍ، لو
قصد تعظيمَ اللهِ جل وعلا ، وأَنَّه ما يَقْدِمُ عليه إِلاَّ بالوسائِطِ
والشُّفَعَاءِ بزَعْمِ المشركين، لكنَّ هذا تعظيمٌ خاطئٌ، وكان استهانةً باللهِ عز
وجل وبعبادتِه وبحقِّه. فليس الكلامُ على نيَّة الإِنْسان، وإِنَّما الكلامُ على
صِحَّةِ العملِ وصِحَّةِ الاِعْتِقَادِ، فصلاحُ النِّيَّةِ لا يُبَرِرُ فِعْلَ
الشِّرْكِ أَوِ اعْتقادِه.
والعِبْرَةُ بالاِتِّباع، لا
بالنِّيَّاتِ والمقاصدِ، فالمُشْرِكُ لمَّا أَشْرَكَ معَ اللهِ غيرَه لم يقصدِ
الاستهانةَ به، وإِنَّما نوى التَّعْظيمَ؛ لأَنَّه رَأَى أَنَّ ملوكَ الدُّنْيَا
لا يُتَوَصَّلُ إِلَيهم إِلاَّ بالوسائِطِ والشُّفَعَاءِ لمكانتِهم وعظمتِهم عند
النَّاس، فقاس اللهُ جل وعلا على الملوكِ، واتَّخَذَ الوُسَطَاءَ والشُّفَعَاءَ
ليقرِّبوه إِليه؛ لأَنَّ اللهَ بزَعْمِهِ لا يُوصِّلُ إِلَيه إِلاَّ بواسطةٍ
لعظمتِه. هذا قصدُه، لكنَّ العِبْرَةَ ليست بالقصدِ والنِّيَّةِ، وإِنَّما
العِبْرَةُ بالاِتِّباع.
فاللهُ تبارك وتعالى نَهَى عنِ الشِّرْكِ، ونَهَى عن التَّعْظِيْمِ الذي هو مِن هذا البابِ، نَهَى أَنْ يُتَّخَذَ مَعَهُ شُفَعَاءُ ووُسَطَاءُ من بابِ التَّعْظيم، وهناك فرقٌ بين الخالقِ والمخلوقِ، فالخالقُ يعلم كلَّ شيءٍ، والمخلوقُ لا يعلم إِلاَّ ما بُلِّغَهُ، لا بدَّ من وجودِ من يُبَلِّغُهُ حوائِجَ النَّاس، أَمَّا اللهُ جل وعلا فإِنَّه عليمٌ بأَحْوالِ خَلْقِه.