ولا بالصُّخُورِ، ولا بالجِبال، لا يُطاف إِلاَّ
في مكانٍ واحدٍ وهو حولُ الكَعْبَةِ المُشرَّفةِ.
وكذلك الاسْتلامُ
والتَّقْبيلُ والتَّبَرُّكُ ولا يجوز إِلاَّ بالحَجَرِ الأَسْوَدِ والرُّكْنِ
اليمانيِّ، وما عدا ذلك لا يُسْتَلَمُ ولا يُقَبَّلُ، ولا شيءَ على وَجْهِ
الأَرْضِ، حتى الكَعْبَةِ - ماعدا الرُّكْنينِ: الرُّكْنِ اليمانيِّ، والحَجَرِ
الأَسْوَدِ - جُدْرَانُها وأَرْكانُها الثَّانيةُ لا تُقَبَّلُ ولا تُمْسَحُ ([1]) ؛ لأَنَّ هذا شيءٌ
لم يَرِدْ ولم يَشْرَعْهُ اللهُ عز وجل ، فكيف بغيرِ الكَعْبَةِ؟!
وقولُه: «وقَدْ لعَن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
مَن اتَّخَذَ قبورَ الأَنْبياءَ والصَّالحين مساجدَ» يعني: يتَّخذونها
مُصلَّياَتِ؛ لأَنَّ المسجدَ هو المُصلَّى، فالذي يعتاد الصَّلاةَ عند القبر،
ويظنُّ أَنَّ هذا فيه أَجْرٌ، وأَنَّه يُقرِّبُه إِلَى اللهِ؛ هذه وسيلةٌ من
وسائِل الشِّرْك، وإِنْ كان يتوجَّه بصلاته للهِ جل وعلا ، لكنَّه ظنَّ أَنَّ
لصلاتِه عند القبرِ مزيَّةٌ، وأَنَّها تُقرِّبُ إِلَى اللهِ، وأَنَّها مشروعةٌ،
فهذا مُحرَّمٌ، وهو وسيلةٌ إِلَى الشِّرْك.
أَمَّا إِذَا كان يقصد التَّقرُّبَ إِلَى القبرِ فهذا شِرْكٌ صريحٌ، وهو شِرْكٌ أَكْبرُ. وقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عن اتِّخاذِ القبورِ مساجدَ، بمعنى: أَنْ تُبْنَى عليها مساجدُ، أَوْ أَنْ يُصلَّى عندها ولو لم يكنْ عليها مساجدُ، فالمساجدُ تشمل: المسجدَ المبنيَّ، والمُصلَّى الذي لم يُبْنَ، كلَّه يُسمَّى مسجداً، قال صلى الله عليه وسلم : «جُعِلَتْ لِي الأَْرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً» ([2])، وقولُه: «مسجداً» يعني: صالحةً للصَّلاة فيها، فليس الأَمْرُ مقتصراً على أَنَّها يُبْنَي عليها، بل حتى لو صلَّى عندها وليس فيها بناءٌ لمسجدٍ فقد اتَّخذها مسجداً.