كان ابن قُدَامة
عالم الشام في زمانه، وكان مع تبحره في العلوم ويقينه ورعًا زاهدًا تقيًّا عليه
هيبة ووقار، وفيه حِلم وتُؤَدة، وأوقاته مستغرِقة للعلم والعمل، وكان يُفحم الخصوم
بالحجج والبراهين، ولا يتحرج ولا ينزعج وخصمه يصيح ويحترق.
قال الضِّيَاء
المقدسي مُحمَّد بن عبد الواحد: «كان المُوَفَّق لا يناظر أحدًا إلاَّ وهو
يَتَبَسَّم»، وعلق على ذلك الذهبي فقال: «بل أكثر من عاينّا لا يناظر أحدًا إلاَّ
ويَنْسَمّ»، وهذا نتيجةً لما كان يراه الذَّهبيُّ بين أهل عصره من الضيق بالمناظرة
العلمية.
وقيل: إن المُوَفَّق
ناظر ابن فَضلاَن الشافعي الذي كان يُضربُ به المثل في المناظرة فقطعه.
وبقي المُوَفَّق
يجلس زمانًا بعد الجمعة للمناظرة، ويجتمع إليه الفقهاء، وكان يدرّس إلى ارتفاع
النهار، ومن الظهر إلى المغرب، ولا يضجر، ويُسمعون عليه، وكان يُقرئ في النحو،
وكان لا يكاد يراه أحد إلاَّ أحبه، وما أوجع قلب طالب، وكانت له جارية تؤذيه
بخُلُقِها فما يقول لها شيئًا.
وقد كتب الضِّيَاء
المقدسي سيرة شيخه المُوَفَّق في جزءين فقال: كان تام القامة، أبيض، مشرق الوجه،
أَدْعَج كأن النور يخرج من وجهه لحُسْنِه، واسع الجبين، طويل اللحية، قائم الأنف،
مقرون الحاجبين، صغير الرأس، لطيف اليدين والقدمين، نحيف الجسم، مُمَتَّعًا
بحواسِّه، وكان شديد الذكاء، حسن التصرف.
من أطرف ما حُكي عنه أنه كان يجعل في عِمامته ورقة مصرورة فيها رمل، يُرَمِّل به ما يكتبه للنَّاس من الفتاوى والإجازات وغيرها، فاتفق