×
شرح لُمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد

 ليلةً أن خُطِفَت عِمامته، فقال لخاطفها: يا أخي، خذ من العِمامة الورقة المصرورة بما فيها، ورُدَّ العِمامة أغطي بها رأسي، وأنت في أوسع الحِلِّ مما في الورقة. فظنّ الخاطف أنها فضة، ورآها ثقيلة، فأخذها وردَّ العمامة، وكانت صغيرة عتيقة، فرأى أخذ الورق خيرًا منها بدرجات، فخَلَّص الشَّيخ عِمامته بهذا الوجه اللطيف.

قال ابن النجار: «كان المُوَفَّق إمام الحنابلة بجامع دمشق، وكان ثقة حُجّة نبيلاً، غزير الفضل، نَزِهًا، وَرِعًا عابدًا، على قانون السَّلَف، عليه النور والوقار، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه».

وقال عمرُ بن الحاجب: «هو إمام الأَئمَّة مفتي الأمة، خَصَّه الله بالفضل الوافر، والخاطر الماطِر، والعلم الكامل، طَنَّت بذكره الأمصار، وضَنَّت بمثله الأعصار، أخذ به جامع الحقائق النقلية والعقلية»... إلي أن قال: «وله المؤلفات الغزيرة، وما أظنّ الزَّمان يسمحُ بمثله، متواضعًا، حسنُ الاعتقاد، ذو أناةٍ وحلمٍ ووقار، مجلسه مَعْمُور بالفقهاء والمحدِّثين، وكان كثيرُ العبادةِ دائم التهجد، لم نر مثله، ولم ير مثل نفسه».

وقال أبو العباس ابن تيمية: «ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الشَّيخ المُوَفَّق رحمه الله ».

وذكر ابن كثير: أنه كان يتنفل بين العشاءين بالقرب من محرابه، فإذا صلى العشاء انصرف إلى منزله بدرب الدَّوْلَعِيّ بالرصيف، وأخذ معه من الفقراء ما تيسر، يأكلون من طعامه، وكان منزله الأصلي بقاسِيُون، فينصرف بعض الليالي بعد العشاء إلي الجبل.

قال الضِّيَاء: «كان حسن الأخلاق، لا يكاد يراه أحدًا إلاَّ مبتسمًا، يحكي الحكايات ويمزح».

وسمعت البَهَاء يقول: «كان الشَّيخ في القراءة يُمازحنا ويَنْبَسِط، وكلَّموه مرة في صبيان يشتغلون - يدرسون - عليه، فقال: هم صبيان ولا بُدَّ لهم من اللعب، وأنتم كنتم مثلهم، وكان لا ينافس أهل الدُّنيَا، ولا يكاد يشكو، وربما كان أكثر حاجة من غيره، وكان يُؤْثِر».


الشرح