يحصل بها الكمال
سواه؛ فإنه رحمه الله كان إمامًا كاملاً في صورته ومعناه من حيث الحسن والإحسان،
والحِلم والسُّؤدد، والعلوم المختلفة والأخلاق الحميدة، والأمور التي ما رأيتها
كملت في غيره، وقد رأيت من كرم أخلاقه، وحسن عشرته، ووفور حلمه، وكثرة علمه، وغزير
فطنته، وكمال مروءته، وكثرة حيائه، ودوام بِشره، وعزوف نفسه عن الدُّنيَا وأهلها
والمناصب وأربابها - ما قد عجز عنه كبار الأَوليَاء، فإن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: «مَا مَنَّ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ
يُلْهِمَهُ ذِكْرَهُ» ([1]) فقد ثبت بهذا أن
إلهام الذِّكر أفضل الكرامات، وأفضل الذِّكر ما يتعدَّى نفعه إلى العباد، وهو
تعليم العِلْم والسُّنَّة، وأعظم من ذلك وأحسن ما كان جِبِلَّةً وطَبْعًا، كالحلم
والكرم والفضل والعقل والحياء، وكان الله قد جَبَلَهُ على خُلُقٍ شريف، وأَفرغَ
عليه المكارم إفراغًا، وأسبغ عليه النِّعَم، ولطف به في كل حال».
وله نَظْم حسن، قال
سبط ابن الجوزي: أنشدني المُوَفَّق لنفسه:
أَبَعْدَ بياضِ
الشيبِ أَعْمُر مسكنًا *** سوى القَبْر إني إنْ فعلتُ لأحمقُ
يُخَبِّرني شَيبي بأني مَيِّتٌ *** وشيكًا
ويَنْعانِي إليَّ فَيَصْدُقُ
يُخرَّق عُمْرِي
كلَّ يومٍ وليلةٍ *** فهل أستطيعُ رَقْعَ ما يتخرَّقُ
كأني بجسمي فوق نعشي
مُمَدَّدًا *** فمِن ساكتٍ أو مُعْوِلٍ يتحرَّقُ
إذا سُئِلوا عنّي
أجابوا وأعْوَلوا *** وأدمُعُهُم تنهَلُّ هذا المُوَفَّقُ
وغُيِّبْتُ في صَدْعٍ
من الأَرض ضَيِّقٍ *** وأُودِعتُ في لَحْدٍ به التُّرْبُ مُطْبِقُ
ويَحْثُوا علَيَّ التُّرْبَ أوثقُ صاحبٍ *** ويُسْلِمُني للتُّرْب مَن هو مُشْفِقُ
([1]) أخرجه: البزار رقم (3890)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» رقم (987)، والطبراني في «الدعاء» رقم (1857).