وقد تقرر التَّوحِيد بدليله في أن هذه الآلهة
المتعددة لا تنفع في الرخاء ولا في الشدة، وإنما الذي ينفع في الرخاء وفي الشدة هو
الله سبحانه وتعالى، وهذا أيضًا متقرَّر عند المشركين أنهم إذا وقعوا في الشدة
فإنهم يخلصون الدُّعَاء لله عز وجل وينسَون آلهتهم؛ لأنهم يعلمون أنه لا يُخلِّص
من الشدائد والكربات إلاَّ الله سبحانه وتعالى؛ فقال: «دَعِ السِّتَّة
وَاعْبُدْ الَّذِي فِي السَّمَاءِ وَأُعَلِّمْكَ كَلِمَتَيْنِ» فأسلم حُصَينٌ
رضي الله عنه، وعلَّمه النَّبي صلى الله عليه وسلم هاتين الكلمتين: «اللَّهُمَّ
أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وقِنِي شُحَّ نَفْسِي» فإذا ألهم الله العبد رشده حصل له
الخير في الدُّنيَا والآخِرَة، ألهمه رُشده، يعني: وفقه للرُّشد، وهو الصواب والحق
في كل شيء، وإذا وقاه شُح نفسه فإنه أيضًا يَسلم من البخل ومنع الحقوق، ويسلَم من
التعدي على النَّاس بأخذ أموالهم وسلب أموالهم بأي طريق، ويقتصر على ما أباح الله
له، الذي وُقي شح نفسه يقتصر على الحلال، وأيضًا تسمح نفسه بالإنفاق في سبيل الله
عز وجل فيجده مُدخرًا له عند الله جل وعلا، فإذا وُفق الإِنسَان لهاتين الخَصلتين
ألهمه الله رُشده ووقاه شُح نفسه، فإنه قد جمع الله له خيري الدُّنيَا والآخِرَة.
والشاهد من الحديث: أن فيه إثبات العلو؛ فإن حُصينًا اعترف لله جل وعلا بالعلو، فقال: واحدًا في السَّمَاء - يعني: في العلو - وأنه هو الذي يعُده للرغبة والرهبة دون غيره، ففيه إثبات التَّوحِيد وإفراد الله جل وعلا بالعبادة والرغبة والرهبة.