فمجرد التلاوة
وتحسين التلاوة ليس هو المطلوب، بل إن هذه التلاوة تكون حجة عليهم يوم القِيَامة،
كما قال صلى الله عليه وسلم: «وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ» ([1]) حجة لك إن عملت به،
وحجة عليك إن لم تعمل به، إن لم تعمل به في العَقيدَة، إن لم تعمل به في الصَّلاة
والصيام والحج، إن لم تعمل به فيما يطلب منك من تجنب المحرمات وفعل الواجبات،
وكلٌّ على حسب وسعه وقدرته، وما منا أحد إلاَّ وعنده تقصير - فليستغفر الله - فيجب
الالتفات إلى كتاب الله والعناية به، وليس المقصود التغني بالقُرْآن وتحسين
الأصوات وجلب المستمعين، فالمقصود العمل والخشية والخوف من الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ
ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ
ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا﴾ [الأنفال: 2] التلاوة إذا سمعها المؤمن زادته إِيمَانا،
التلاوة إذا سمعها المؤمن أبكته من خشية الله سبحانه وتعالى وأثرت فيه، ولهذا كان
صلى الله عليه وسلم إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الصَّلاَةِ
يُسْمَعُ لِصَدْرِهِ
أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ عليه الصلاة والسلام ([2]).
ولما استمع إلى قراءة ابن مسعود من سورة النساء ووصل إلى قوله: ﴿فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۢ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا﴾ [النساء: 41] قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «حَسْبُكِ» يعني: قف، قَالَ: فَالْتَفَتَ إِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ عليه الصلاة والسلام ([3]) هكذا يعمل القُرْآن في قلوب المُؤْمنِين إذا سمعوه أو تلَوه أثّر فيهم خوفًا وخشية وبكاءً، وأثر فيهم عملاً صالحًا وقدوة صالحة.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (223).