×
شرح لُمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد

﴿وَهُمۡ يُسۡ‍َٔلُونَ[الأَنبِيَاء: 23].

**** 

يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ[يونس: 99]. ما على الرَّسُول إلاَّ البلاغ، أما الهداية فهي بيد الله سبحانه وتعالى. والرَّسُول يهدي بمعنى أنه يُبلّغ ويرشد: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ [الشورى: 52]، يعني تَدُلّ وتُرشِد. وأما الهداية التي هي هداية القلوب، وهداية القبول - فهذه بيد الله جل وعلا، ليست بيد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، ولو حرص الرَّسُول ما حصلت الهداية إلاَّ لمن شاء الله سبحانه وتعالى. ﴿وَهُمۡ يُسۡ‍َٔلُونَ [الأنبياء: 23]، وقال الله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ [القمر: 49].

هذا في حق الله جل وعلا لا يُسأل عمّا يفعل سبحانه وتعالى؛ لأنه يفعل ما يشاء لحكمة لا يفعل شيئًا إلاَّ لحكمة. والحكمة: وضع الأمور في مواضعها. فوضع الهداية فيمن يصلح لها، ووضع الغواية فيمن يصلح لها، ويُوفّق للجنة من يصلُح لها، ويُوفّق للنار من يصلح لها؛ فهو أعلم بخلقه سبحانه وتعالى. وهذا مما يوجب على المسلم أن يلجأ إلى الله، وأن يدعُوَ الله بالهداية والتوفيق، وأن لا يُعجب بنفسه وبعمله، بل يُفوّض الأمر إلى الله جل وعلا ويخشى من الله جل وعلا، يخشى أن يُضلّه الله جل وعلا وأن يُزيغ قلبَه؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يُكثر من الدُّعَاء يقول: «اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ». فتقول عَائِشَةُ: إِنَّكَ تُكْثِرُ أَنْ تَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ ! فيقول: «وَمَا يُؤْمِنُنِي، وقُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِذَا شَاء أَنْ يُقَلِّبَ قَلْبَ عَبْدٍ قَلَّبَهُ» ([1]). قال تعالى: ﴿وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2654) بنحوه.