×
شرح لُمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد

وقال تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا [الأنعام: 125].

****

وهذه الآية فيها إثبات الإرادة الكونية، فمن أراد الله هدايته وقبوله للحق فإنه يجعلْ فيه أهلية لذلك بأن يشرح صدره للإِسْلاَم، يعني: يوسع صدره؛ فيتقبل الحق ويطمئن إليه ويرتاح له، فالله جعل فيه قابلية لذلك وجعل فيه أهلية لذلك؛ لعلمه سبحانه أنه يصلح للهداية وأنه يقبل الهداية، فيجعل الله في نفسه القابلية والإقبال والرغبة في الخير، وينشرح صدره للإِسْلاَم.

وَمَنْ يُرِدْ قَضَاء وقدرًا أن يُضلَّه بعدله سبحانه؛ لعلمه أنه لا يصلح للهداية - فإنه لا يجعل فيه قابلية للهداية، ويجعل صدره ضيقًا بدل أن يشرح صدره ويوسعه، يجعله ضيقًا لا يقبل شيئًا ﴿يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا[الأنعام: 125]، وفي قراءة: {صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرِجًا} ([1]) يعني: أنه لا يقبل الحق، ولا يطمئن إلى الحق، بل يضيق صدره؛ إذا سمع الحق ضاق صدره وانقبض وأعرض، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ [الزمر: 45] فهذا الصنف من النَّاس يفرح بالباطل، وينقبض عن الحق؛ لأن الله لم يجعل فيه قابلية لذلك لعلمه جل وعلا أنه لا يصلح للهداية.


الشرح

([1])  وهي قراءة نافع وأبي بكر بكسر الراء (حَرِجًا) جعلاه اسم فاعل، ومعناه الضيق، كرر المعنى، وحَسُن ذلك لاختلاف اللفظ، فالمعنى يجعل صدره ضيقًا. «الكشف عن وجوه القراءات» لمكي (1/450).