وفتنة
القَبْر حق، وسؤال منكر ونكير حق.
****
مما يجري في القَبْر
أيضًا سؤال منكر ونكير من الملاَئكَة، أنه إذا وضع الميت في قَبْره، وسُوِّيَ عليه
القَبْر، وتولى عنه المُشَيِّعُونُ وإنه لَيسمعُ قَرْعَ نِعالهمُ - يأتيه ملكانِ،
فتعاد رُوحه في جسده - وهذه الحياة برزخية، ما هي مثل إعادتها في الحياة على
الأَرض، لا يعلمها إلاَّ الله جل وعلا - فتعاد روحه في جسده ويُجلسانِه فيقولان
له: مَنْ ربُّك وما دينُك ومن نبيُّك؟ فالمؤمن يقول: ربي الله، والإِسْلاَم ديني،
ونبيي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، لا يتلعثم ولا يتردد؛ لأنه كان مؤمنًا في هذه
الدُّنيَا، مؤمنًا بالله ومؤمنًا بالرَّسُول صلى الله عليه وسلم، ومتمسكًا بدين
الإِسْلاَم؛ فلا يتلجلج في السؤال ولا يتردد.
أما المنافق الذي كان يعيش في هذه الدُّنيَا على الشك، وهو يدّعي الإِسْلاَم بلسانه، وهو منكر بقلبه - فهذا يعجز إذا سُئل في القَبْر ويتحيَّر ويقول: هاه هاه لا أدري، سمعت النَّاس يقولون شيئًا فقلته. فالأول يُنَعّم ويُفتح له باب إلى الجنة، وهذا يُعذَّب، ويُضيَّق عليه في قَبْره حتَّى تختلف أضلاعُه، ويُفتح له باب إلى النَّار ([1])، نسأل الله الثبات - ولهذا يقول جل وعلا: ﴿يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ﴾ [إبراهيم: 27]، هذا فيه دليل على ثبوت عذَاب القَبْر، وسؤال الملَكَيْنِ: مُنكَر ونَكِير؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف على قَبْره هو وأصحابه وقال: «اسْتَغْفِرُوا لأَِخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتِ؛ فَإِنَّهُ الآْنَ يُسْأَلُ» ([2]).