×
شرح لُمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد

 الشاهد من قوله: ﴿أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ [الأعراف: 111] يعني: أَخِّره حتَّى تحصل المناظرة، ويريدون إبطال ما معه أمام النَّاس، هذا هو الإرجاء، والمراد بالإرجاء هنا: تأخير الأَعمَال عن الإِيمَان، يقولون: إن الأَعمَال لا تدخل في الإِيمَان، فأخروا الأَعمَال عن حقيقة الإِيمَان ومسمى الإِيمَان، فجعلوا الأَعمَال شيئًا، والإِيمَان شيئًا آخر، هَؤُلاءِ هم المُرْجِئَة، وهم فِرَق أربعة:

الفرقة الأولى: الجَهْمِيَّة الذين يرون أن الإِيمَان مُجرّد المعرفة في القلب، ولو لم يعمل شيئًا، ولو لم يعتقد، ولو لم يصدق، ولو لم يقل شيئًا، فهو مؤمن، ما دام يعرف في قلبه، وعلى هذا يكون فرعون مؤمن؛ لأنه يعرف أن ما جاء به مُوسَى حق، ولكن يتظاهر بالإنكار من باب العلو والاستكبار، والعِيَاذ باللهِ: ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ [النمل: 14] فعلى مذهب الجَهْم والجبرية يكون فرعون مؤمنًا؛ لأنه يعرف بالقلب، وإبليس يكون مؤمنًا عند هَؤُلاءِ؛ لأنه يعرف، بل صرح ونطق: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي [الحجر: 39]، وقال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ [ص: 82] أثبت لله العزة وحلف بها، فيكون إبليس مؤمنًا على مذهب هَؤُلاءِ؛ لأنه يعرف، ولا يكفر أحد على وجه الأَرض بهذه الطريقة! فهذا مذهب باطل، وهذا أقبح الإرجاء.

الفرقة الثانية: الذين يرون أن الإِيمَان هو مجرد التصديق بالقلب، يقولون: لا تكفي المعرفة، لا بُدَّ من التصديق بالقلب ولو لم ينطق بلسانه ولو لم يعمل بجوارحه، ما دام مصدقًا بقلبه بالله وبرسوله وبدينه


الشرح