ويطلق على النصيب؛
كما قال -تعالي-: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبٗا مِّثۡلَ ذَنُوبِ أَصۡحَٰبِهِمۡ﴾ [الذاريات: 59]؛ أي لهم نصيب من
العذاب مثل نصيب أصحابه الكفرة، فيطلق الذنوب، ويراد به النصيب، والمراد به هنا
المعني الأول، وهو الدلو المملوء بالماء، فأمر به فأهريق، أصله أريق بالهمزة،
فزيدت الهاء، وهذه لهجة عربية فصيحة، تقول أريق، وتقول: أهريق، أهريق بمعني: صب
البول على موضع الماء، فهذا يؤخذ منه وجوب طهارة المساجد والمصليات من النجاسة،
ويؤخذ منه كيفية تطهير الأرض المتنجسة بأنها يصب عليها الماء، ويكفي هذا، يصب عليها
ماء يغمر ما فيها من البول ويكفي هذا، ولا تحفر، ولا ينقب ترابها، ولا تحوط، وإنما
يصب على طبيعة الأرض، يصب على المحل الذي أصابه البول، يصب عليه الماء، ويطهر
بذلك، وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بأن
صب على مكان البول ماء.
وفيه مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم؛ حيث رفق بهذا الأعرابي، ولما فرغ دعاه، وقال: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلاَ الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عز وجل، وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»([1])، ففيه حسن تعليمه صلى الله عليه وسلم ورفقه بالجهال، وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، وهكذا ينبغي لطلبة العلم والدعاة إلي الله عز وجل والمحتسبين، الذين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، أن يستعملوا مع الجهال الطريقة اللينة اللبقة، التي لا تجرح
([1]) أخرجه: مسلم رقم (285).