×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الأول

 لا في المساجد ولا في غيرها، يشترط طهارة البقعة التي يصلي فيها. فهذا الأعرابي خالف الحكم الشرعي، وبال في المسجد الذي يصلي به الناس، بل وفي أفضل المساجد بعد المسجد الحرام، وهو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك أنكر عليه الصحابة، ولكن نظرا لكونه جاهلا رفق به النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا فيه الرفق بالجاهل إذا فعل منكرا وهو جاهل، فإنه يرفق به، ويبين له الحكم الشرعي برفق لا بغلطة وقسوة، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: «دَعُوهُ»؛ أي: دعوه يكمل بوله، فتركوه حتى أكمل بوله. قالوا: لأنه لو قام وقطع بوله، حصل مضرتان، المضرة الأولي: أنه يتضرر صحيا؛ لأن حبس البول يضر بصحة الإنسان، وثانيًا: لو قام وهو يبول، انتشرت النجاسة في المسجد، وتتقاطر النجاسة في أكثر من موضع، فإذا ترك، انحصرت النجاسة في مكان واحد، فهذا فيه قاعدة ارتكاب أخف الضررين بدفع أعلاهما، قاعدة عظيمة في أصول الفقه، أو ارتكاب أخف المفسدتين، هذا أخذوا منه هذه القاعدة العظيمة، ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما، فلو أنه أقيم وهو يبول، لا ينتشر البول في أكثر من موضع، فإذا ترك، انحصر البول في موضع واحد، وهذا أخف، النبي صلى الله عليه وسلم أمر بارتكاب أخف الضررين؛ لدفع أعلاهما، وهي قاعدة عظيمة.

فلما فرغ من بوله، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب بفتح الذال، وهو الدلو المملوء بالماء، فإن كان دلوا، وليس فيه ماء لا يقال له: ذنوب، وإنما يقال له: الدلو، والذنوب اسم مشترك يطلق على الدلو المملوء بالماء،


الشرح