استحي أن سأل النبي
صلى الله عليه وسلم؛ لأن فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم زوجة علي، فاستحي أن
يسأل مباشرة فوكل المقداد بن الأسود الصحابي الجليل، وكَّلَه أن يسأل له، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ»، وفي رواية: «تَوَضَّأْ
وَانْضَحْ فَرْجَكَ»، هذا دليل على مسائل:
المسألة الأولي: فيه أن الحياء لا
يمنع من سؤال أهل العلم عما أشكل، فإما أن يسأل مباشرة، وإما أن يوكِّل، علي رضي
الله عنه لما استحي، وكل، ولم يسكت ويمنعه الحياء من السؤال؛ لأن هذه عبادة ودين،
ولا يجب أن يمنع الحياء الإنسان من أن يسأل عن أمور دينه، لكن إذا كان لا يقدر على
مواجهة العَالِم، فإنه يوكل من يسأل له، ففيه التوكيل في السؤال، وأن الموكل يعمل
بقول الوكيل.
المسألة الثانية: هذا فيه دليل على
قبول خبر الواحد، عكس ما تقوله المعتزلة وأصحاب البدع من أن خبر الواحد لا يعتمد
عليه.
فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ»، هذا دليل على أن المذي يوجب الوضوء، ولا يوجب الغسل، وأنه نجس، يغسل المخرج من باب الاستنجاء، ويغسل الذكر أيضا، أي: يغسل القصبة كلها، وفي رواية: «يَغْسِلُ أُنْثَيَيْهِ - يعني: الخصيتين - وَذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ»([1])، غسل الخصيتين وقصبة الذكر والمخرج، ينضحه بالماء، فدل على أن المذي نجس أيضا، أولاً: أنه ينقض الوضوء، وثانيًا: أنه نجس يغسل، ولكن نجاسته مخففة،
([1]) أخرجه: أبو عوانة في مستخرجه رقم (765).