عن عائشة رضي الله عنها قالت:
لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَكَر بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً
رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ، - وَكَانَتْ أُمُّ
سَلَمَةَ، وَأُمّ حَبِيبَةَ أَتَتَا أَرْضَ الحَبَشَةِ -، فَذَكَرَتَا مِنْ
حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ:
«أُولَئِكِ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ
مَسْجِدًا، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكِ الصُّوَرَ أُولَئِكِ شِرَارُ الخَلْقِ
عِنْدَ الله»([1]).
ذكر المصنف رحمه الله هذا الحديث في آخر كتاب الجنائز في غاية المناسبة؛ لأنه يتعلق بالأموات والقبور، وما ينبغي نحوها، القبور يجب أن تحترم، وأن تصان عن الأذى، ولا تمتهن بالمشي، أو بإلقاء الزبالات عليها، أو التطرق أو الجلوس عليها، ينبغي أن لا تهان، أي: لا يجوز إهانة القبور؛ كما أنه لا يجوز الغلو فيها، الأمران محرمان؛ الامتهان والغلو، وهما على طرفي نقيض، الامتهان فيه إساءة إلى الأموات، وانتهاك لحرمتهم، والغلو فيه خلل في التوحيد والعقيدة، وخير الأمور الوسط، وهذه سنة الإسلام في القبور، أنها تصان، وتسور بسور يحفظها، ويمنع التطرق فوقها، والجلوس عليها، وقضاء الحاجة، وغير ذلك، ولا يبالغ في رفعها، والبناء عليها، والكتابة عليها، وتجصيصها، وإيقاد السرج عليها، والشموع والمصابيح؛ لأن هذا من وسائل الشرك وعبادة غير الله عز وجل، فهذا هو الوسط في أمر القبور الاعتدال، لا تنتهك، ولا يغلى عليها، فإذا كان كذلك، حصلت
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1341)، ومسلم رقم (528).