×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الأول

قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى»، والعلماء منهم من قال: إنه يؤتي بطعام من الجنة، وشراب من الجنة، وهذا غير صحيح؛ لأنه لو أتي بطعام وشراب، ما كان صائمًا، والصحيح أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي»([1]) أن الله يقويه؛ فلا يحتاج إلى الطعام والشراب، الرسول يقويه الله بما يفيض عليه من معرفته والأنس به، والتلذذ بعبادته؛ فلا يحتاج إلى الأكل والشرب، أما غيره، فلا يحصل على هذا، وهو بحاجة إلى الأكل والشرب، فالوصال من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجوز لأحد أن يشاركه في هذه الخصيصة، ولما ألح عليه أصحابه في أن يواصل بهم، واصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم يومًا، ثم ظهر الهلال، قال: «لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ»([2])، لما أبوا أن يقبلوا الرخصة، فالرسول صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم: ﴿عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ [التوبة: 128]، لا يرضى لأمته بالمشقة، بل يحب لهم التيسير، ولذلك من واصل الأيام وهو صائم، فإنه مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، وإن احتج أحد بوصال الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أجاب صلى الله عليه وسلم عن ذلك أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، إلاَّ أنه رخص في الوصال إلى السحر، فمن استمر إلى السحر، ولم يفطر عند غروب الشمس، فالرسول رخص له في ذلك،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (7299)، ومسلم رقم (1103).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (7242)، ومسلم رقم (1103).