×
شرح عمدة الفقه الجزء الأول

ولا بشرب، ولا غير ذلك؛ لما جاء في الأحاديث الصحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ»، قال صلى الله عليه وسلم: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» ([1])، فيحرم على المسلم أن يستعمل أواني الذهب والفضة، أو ما فيه ذهب وفضة؛ لهذه الأحاديث الصحيحة، وما جاء بمعناه.

اختلف العلماء في الحكمة أو العلة في ذلك:

فمنهم من توقف، وقال: يكفي أنها ذهب وفضة، الرسول صلى الله عليه وسلم نص على آنية الذهب والفضة، فنقف عند هذا، ولا نبحث عن الحكمة.

بعضهم قال: لا، الرسول صلى الله عليه وسلم حرمها لحكمة، وهي منع الفخر والخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، كيف أنهم فقراء لا يجدون ما يأكلون ويلبسون، وهؤلاء أوانيهم وصحافهم من الذهب والفضة؟! فهذا فيه فخر، وفيه خيلاء، وفيه كسر لقلوب الفقراء؛ فلذلك منعها الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقيل: الحكمة لأنها تقلل النقدين؛ أي أن الذهب والفضة خلقا نقودًا وأثمانًا، فإذا جُعلت أواني، لم يبق إلا قليل للنقود وسك النقود، فهي تضايق السكة النقدية.

وأنا عندي أن الحديث فيه إشارة إلى العلة، وهي قوله: «فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ»، الذي يستعمله الكفار في الدنيا، فلا نتشبه بهم، فالعلة - والله أعلم - هي ما في الحديث؛ منع التشبه بالكفار في أوانيهم.


الشرح

([1]أخرجه: البخاري رقم (5634)، ومسلم رقم (2065).