والكهان كانوا مَراجع للناس، كل قبيلة كان لها
كاهن يخبرها بأخبار الغيب التي يدعيها مما تلقيه عليه الشياطين من استراق السمع، فكان
في كل قبيلة كاهن يتحاكمون إليه ويرجعون إليه في مشكلاتهم، وكان هذا الأمر متفشيًا
في الجاهلية.
فلما
أن أراد الله سبحانه وتعالى رحمة بالبشرية، بَعَث محمدًا صلى الله عليه وسلم
ليُخْرِج الناس من الظلمات إلى النور، وأنزل عليه القرآن.
وقبل
نزول الوحي جاءت مقدمات الوحي، فشاهد الناسُ في السماء شيئًا لم يشاهدوه من قبل،
وهو كثرة رمي الشهب، وكان رميها في الجاهلية قليلاً، وكانت الشياطين تسترق السمع
من السماء وتلقيه إلى الكهان. ولما أن أراد الله سبحانه وتعالى بعثة رسوله محمد
صلى الله عليه وسلم، حُرِست السماء، فلم تستطع الشياطين التوصل إلى ما كانوا
يتوصلون إليه من قبل، فتحيروا في هذا الأمر، ما هي أسبابه؟!
وأرسل
الشيطان رسله إلى الأرض؛ لينظروا ما الخبر ويأتوه به، فنشرهم في الأرض ليأتوه
بالخبر.
فجاءت
الجن إلى مكة، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ويقرأ القرآن،
فاستمعوا له، فأعجبهم القرآن وتلذذوا به، فآمن هؤلاء الجن برسول الله صلى الله
عليه وسلم ورجعوا عن الكفر، واهتدَوْا بالقرآن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم
مبعوث إلى الإنس والجن كافة، والقرآن يخاطب الإنس والجن، فلما سمعوه تأثروا به،
وأعجبهم وتلذذوا به.
فأَمَر
الله رسوله بقوله: ﴿قُلۡ
أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ﴾.
و﴿ٱلۡجِنِّ﴾: عالَم خفي، يروننا من حيث لا نراهم؛ ولذلك سُمُّوا بالجن، من الاجتنان وهو الاستتار؛ لأنهم مستترون عن الإنس لا يرونهم.