وبعد أن استمعوا إلى القرآن تعجبوا ﴿فَقَالُوٓاْ إِنَّا
سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا﴾ أي: ليس من المألوف في الكلام الذي
كانوا يسمعونه، فهو كلام عجب في أسلوبه، في أخباره، في هدايته، في تأثيره على
القلوب، في تلذذ الأسماع به، فهو عجب من كل وجه!!
﴿يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ﴾: هذه صفة
ثانية للقرآن أنه ﴿يَهۡدِيٓ﴾
أي: يدل، ﴿إِلَى
ٱلرُّشۡدِ﴾: والرُّشْد: ضد الغي، وهو الهداية إلى الصراط المستقيم،
الطريق الصحيح. فالقرآن يهدي إلى الرشد؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ
يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ
ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا ٩ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ
عَذَابًا أَلِيمٗا﴾ [الإسراء: 9- 10]، هذه صفة القرآن.
فالجن
لما استمعوه عَرَفوا مدلوله. وفي الآية الأخرى: ﴿وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ
ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ
إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ [الأحقاف: 29].
فهذه
واقعة أخرى، عندما خرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعوهم إلى الله عز وجل،
اشتد أذى قريش له في هذا الوقت، فخرج إلى الطائف لعله يجد أحدًا يناصره ويأوي
إليه، فرَدَّ عليه صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ردًّا قبيحًا، بل رجمه صلى الله
عليه وسلم سفهاؤهم بالحجارة!!
فرجع صلى الله عليه وسلم من الطائف يقصد مكة، وبينما هو في وادي نخلة - وهو ما بين مكة والطائف - وقف صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر، فقرأ القرآن، فاستمع إليه الجن الذين جاءوا إليه من نَصِيبين في العراق واستمعوا للقرآن، فأعجبهم وآمنوا به، وذهبوا إلى قومهم، و﴿قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [الأحقاف: 30].