وتشتغلون بها لتحصيلها، وكأنه ليس أمامكم دار
أخرى، ﴿وَتَذَرُونَ
ٱلۡأٓخِرَةَ﴾، أي: تتركون العمل للآخرة. مع أن الدنيا خُلِقت من أجل
العمل للآخرة، فالعمل إنما يكون في الدنيا، وأما الجزاء فيكون في الدار الآخرة.
فكثير
من الناس مُعْرِضون عن هذا، ينشغلون بالدنيا ولا يلتفتون للآخرة، فمنهم مَن لا
يؤمن بالآخرة ويُكَذِّب بها، ومنهم مَن يؤمن بها لكنه يتشاغل عنها ويلهو عنها
وينساها.
ولهذا
قال: ﴿وَتَذَرُونَ
ٱلۡأٓخِرَةَ﴾: ولا تتذكرونها، ولا تستعدون لها ولا تعملون لها.
وهذا
توبيخ من الله سبحانه وتعالى لمن كانت هذه صفته؛ لأنه إذا اشتغل بالدنيا ونَسِي
الآخرة، ضَيِّع الدارين، ضَيَّع الدنيا والآخرة، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن
يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ
فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ
هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ﴾ [الحج: 11].
أما
إذا عَمِل للآخرة، فإنه يكون قد حفظ الدارين: حَفِظ الدار الدنيا بما خُلِقت له،
وهو العمل الصالح، والدار الآخرة يفوز فيها بالجزاء. فهذا يكون قد حفظ دنياه
وآخرته. وهذا توفيق من الله سبحانه وتعالى، ومَن تنبه لذلك أعانه الله ويَسَّر له،
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنۡ
أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ
كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا﴾ [الإسراء: 19]، لا يَضيع عند الله سبحانه وتعالى.
ثم
بَيَّن الله سبحانه وتعالى أن الناس في الآخرة ينقسمون إلى قسمين: السعداء
والأشقياء، فقال: ﴿وُجُوهٞ
يَوۡمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ﴾.
﴿نَّاضِرَةٌ﴾:
من النَّضْرة، وهي البهاء والحُسْن.