ثم بَيَّن سبحانه وتعالى قدرته على البعث،
واستدل على ذلك بأنه: خَلَق الإنسان أولاً من نطفة ثم من علقة، فإذا كان الله جل
جلاله أوجده من العدم فهو قادر على أن يعيده من باب أَوْلى.
﴿أَلَمۡ يَكُ نُطۡفَةٗ مِّن مَّنِيّٖ يُمۡنَىٰ ٣٧ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ
فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ﴾ أي: من هذا المَنِيّ وهذه العلقة، ﴿فَجَعَلَ مِنۡهُ
ٱلزَّوۡجَيۡنِ﴾ أي: الشكلين. فالمراد بالزوجين هنا الشكلان، ﴿ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ﴾:
يَخلق الله سبحانه وتعالى من هذه النطفة الذَّكَر، ويَخلق منها الأنثى، مع أنها
نطفة واحدة! لكن الله سبحانه وتعالى بقدرته خَلَق منها الذَّكَر والأنثى، فلا تكون
كلها ذكورًا ولا تكون كلها إناثًا.
وخَلَق
الله سبحانه وتعالى الذَّكَر والأنثى لحكمة، وهي بقاء النسل، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ
خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾
[الذاريات: 49]، كل المخلوقات تتكون من زوجين، حتى النباتات، حتى البهائم؛
من أجل بقاء النوع وبقاء الجنس.
ثم
قال تعالى: ﴿أَلَيۡسَ
ذَٰلِكَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰ﴾
أي: أليس الذي خلقها أولاً قادر على أن يعيدها؟!
هذا
من وجهة النظر العقلية، وإلا فإن الله لا يُعجزه شيء سبحانه وتعالى، لكن هذا من
حيث النظر العقلي، أن الذي قَدَر على البداءة قادر على الإعادة من باب أَوْلى، قال
سبحانه وتعالى: ﴿وَهُوَ
ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ
ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ
ٱلۡحَكِيمُ﴾ [الروم: 27].
فهذه
الآية من أدلة البعث وبراهينه، الذي أنكره الكافر وأنكره المشرك، ولكن أقر به أهل
الإيمان. فهذا من أدلة البعث وبراهينه.
وصَلَّى الله وسَلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه
أجمعين.
***
الصفحة 7 / 524