هذه هي أرض المحشر، يَجمع الله سبحانه وتعالى
فيها الأولين والآخِرين، لا يواريهم جدار ولا جبل ولا شجر ولا شيء.
يجتمعون
في الساهرة جميعًا، لا يتخلف أحد، لا من الأولين ولا من الآخِرين.
و
«الساهرة»، في الشام.
ثم
ذَكَر الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد سبقه من الرسل مَن
كَذَّبه قومه، وهم كثرة، ولك فيهم أسوة، وذَكَر له مثالاً واحدًا من الأنبياء، وهو
موسى عليه السلام لأنه أقرب الأنبياء إلى محمد في الزمان، ولأن محمدًا صلى الله
عليه وسلم مذكور في التوراة والإنجيل، وقد بَشَّر به عيسى وموسى عليهما السلام.
فقال
سبحانه: ﴿هَلۡ
أَتَىٰكَ﴾، استفهام تقريري، أي: قد جاءك، ﴿حَدِيثُ مُوسَىٰٓ﴾ ابن عمران.
وقصة
موسى عليه السلام كررها الله في القرآن، لما سار بأهله راجعًا إلى أرضه، من أرض
مَدْيَن، أصابهم البرد في الطريق وتاهوا عن الطريق، فرأى نارًا بجانب الطور ففَرِح
بها، وأجلس أهله ينتظرون، وذهب ليسأل أهل النار: أين الطريق؟ وليأتي من النار
بشهاب لأهله يصطلون عليه من البرد!!
فلما
وصل إلى الوادي المقدس ناداه الله جل جلاله، وقال: ﴿يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [القصص: 30].
وهنا قال: ﴿إِذۡ نَادَىٰهُ رَبُّهُۥ﴾، هذا فيه أن الله سبحانه وتعالى يتكلم، وينادي ويناجي، قال عز وجل: ﴿وَنَٰدَيۡنَٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنِ وَقَرَّبۡنَٰهُ نَجِيّٗا﴾ [مريم: 52]، فناداه وناجاه. و«المناداة» هي: الصوت المرتفع. و«المناجاة» هي: الصوت الخفي. وكلا هذين حصل لموسى عليه السلام.