ولهذا
قال سبحانه وتعالى: ﴿عَبَسَ﴾، أي: الرسول صلى الله عليه وسلم قَطَّب وجهه من مجيء
ابن أم مكتوم في هذه اللحظة. ﴿وَتَوَلَّىٰٓ﴾،
أي: أعرض عنه وأقبل على قريش.
فلامه
الله عز وجل على هذا، فقال: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١ أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ﴾، أي: من أجل أن جاءه الأعمى، وهو: عبد الله ابن أم
مكتوم رضي الله عنه. وقيل: اسمه عمرو بن أم مكتوم.
وكان
النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويُجِله، وكان يُؤَذِّن في مسجد الرسول صلى الله
عليه وسلم، هو وبلال، وكان صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة إذا سافر،
فيصلي بالناس، فله فضل عظيم، رضي الله عنه.
﴿وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ﴾، لعل هذا الأعمى يستفيد من الرسول صلى الله عليه وسلم،
ويتطهر بعلمه وعمله، فهو قد جاءك يريد أن يتزكى.
﴿أَوۡ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكۡرَىٰٓ﴾، أي يتعظ من الرسول صلى الله عليه وسلم بموعظة، فهو جاء
من أجل هذا، وهو حَرِيّ أن يتزكى ويتذكر.
قال
تعالى عن هؤلاء المشركين: ﴿أَمَّا مَنِ ٱسۡتَغۡنَىٰ﴾، أي: استغنى عن الإسلام، واستغنى عن التذكير وعن
الدعوة، ﴿فَأَنتَ
لَهُۥ تَصَدَّىٰ﴾، أي:
تُقْبِل عليه، وهو لا رغبة له في الحق ولا يريده، وتتولى عن الراغب الطالب للحق،
وتُقْبِل على هؤلاء.
﴿وَمَا عَلَيۡكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ﴾، أي: لست مسئولاً عن كونه لا يهتدي، فأنت عليك البلاغ
فقط، وأما كونه يَقبل أو لا يَقبل فهذا ليس إليك، إنما هو إلى الله سبحانه وتعالى،
وهو عز وجل أعلم بمن يَصلح للهداية وبمن لا يَصلح لها.
فكان
صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أقبل ابن أم مكتوم رضي الله عنه، يستقبله بالبِشر
والسرور والتقدير، ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَرْحَبًا بِمَنْ عَاتَبَنِي
فِيهِ رَبِّي!!».