﴿وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ﴾، وفي الجانب الآخَر: إذا ما ابتلاه الله سبحانه وتعالى،
واختبره وامتحنه، ﴿فَقَدَرَ
عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ﴾، أي:
ضَيَّق رزقه عليه، ﴿فَيَقُولُ
رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ﴾، أي:
أذلني بالفقر!!
فالإنسان
يَعتبر الكرامة والإهانة بأمور الدنيا: إن أُعْطِيَ منها شيئًا اعتبره كرامة
وإكرامًا له، وإن لم يُعْطَ شيئًا اعتبر هذا إهانة له.
هذه
هي حالة الإنسان، ولم يَعلم بأن الله سبحانه وتعالى يختبره؛ ليتبين مَن يَشكر عند
النعمة ومَن يصبر عند الابتلاء. فهذه هي الحكمة فيما يجريه الله سبحانه وتعالى من
الغِنى والفقر، والسَّعة والضِّيق؛ ليتبين الشاكر عند النعمة والصابر عند المحنة،
ويتبين مَن يعتبر النعمة كرامة له، ومَن يعتبر التضييق إهانة له.
وهذا
ميزان أكثر الناس: يعتبرون الكرامة والإهانة هو أمور الدنيا.
ولا
يعلمون أن هذا إنما هو ابتلاء وامتحان من الله، وأن الله سبحانه وتعالى قد
يُنَعِّم أعداءه، قال عز وجل: ﴿أَيَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٖ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ
لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ﴾
[المؤمنون: 55- 56]، وقال عز وجل: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ
كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ﴾ [الأنعام:
44].
وأما مَن ضَيَّق الله سبحانه وتعالى عليه في الرزق، فهذا ليس دليلاً على هوانه على الله، فقد يُضَيِّق الله سبحانه وتعالى على أوليائه في هذه الدنيا ويحميهم من الغِنى؛ لأجل أن يصبروا ويعلموا أن هذا من الله سبحانه وتعالى، ويَرْضَوْا عن الله سبحانه وتعالى، ويَعلموا أن الخير بيد الله سبحانه وتعالى، فقد يَزْوِي الله سبحانه وتعالى الدنيا عن أوليائه ويبسطها على أعدائه؛ لأن الدنيا فانية، على ما فيها من ضِيق وسَعة، فإنها منتهية فانية.