الأخرى كانت في الصيف إلى
الشام لأن فيه البرودة والجو الطيب.
ولولا
هاتان الرحلتان لم يمكن بها مقام، ولولا الأمن بجوارهم البيت لم يَقْدِروا على
التصرف، قال عز وجل: ﴿أَوَ
لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ
وَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَكۡفُرُونَ﴾ [العنكبوت:
67].
فكان
هذا شأن قريش، ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم؛ لعظمتهم عند الناس ولكونهم
جيران بيت الله الحرام، البيت العتيق؛ لهذا قال عز وجل: ﴿إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ﴾..
وتأمل
قوله عز وجل: ﴿فَلۡيَعۡبُدُواْ
رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ﴾،
ولم يقل: «فليعبدوا هذا البيت»، فأرشدهم الله سبحانه وتعالى إلى شكر هذه النعمة
العظيمة، بأن يقيموا العبادة لله سبحانه وتعالى، وأما البيت فإنه مسجد ومكان
للعبادة، والمعبود هو الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي
حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡءٖۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾ [النمل: 91].
﴿ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ﴾، أي: تَفَضَّلَ عليهم،
ووَفَّر لهم الأرزاق والأمن من الخوف، وهذا كله بسبب جوارهم لبيت الله الحرام،
فالرزق والأمن مقترنان؛ كما أن الجوع والخوف مقترنان، قال عز وجل: ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ
وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ﴾
[النحل: 112].
قال عز وجل: ﴿وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ أَوَ لَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [القصص: 57].