×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الأول

«فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً»، وفي آخر الرواية «ثُمَّ لِيَسْتَنْثِرْ» هذا فيه مشروعية الاستنشاق في الوضوء والاغتسال، والاستنشاق هو: إدخال الماء إلى الأنف بنَفَسٍ، جذب الماء إلى الأنف بالنفس، ثم إخراجه منه بالنثر - أي: نثره بالنفس أيضًا -، فيدخل الماء إلى أنفه، فيجذبه بنَفَسِهِ، ثم ينثره، لأن داخل الأنف في حكم الظاهر، فهو من الوجه، وظاهر الحديث وجوب الاستنشاق في الوضوء، وفي الحديث الآخر: «وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ إلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا»([1])، وقد اختلف العلماء في الاستنشاق: هل هو واجب أو مستحب؟ على قولين، القول الأول: أنه واجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به في هذا الحديث، فلو توضأ، ولم يستنشق، لم يصح وضوؤه، والقول الثاني: أنه مستحب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: «تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ»([2])، فأحاله على الآية: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ [المائدة: 6]، وليس فيها ذكر الاستنشاق، فدل على أن الأمر به هنا للاستحباب لا للوجوب، والقول الأول: أرجح بلا شك؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب، والآية مطلقة، والحديث فيه زيادة من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله جل وعلا: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ [الحشر: 7]، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبين لمعنى الآية ومفسر للقرآن، فيكون الاستنشاق من جملة الوضوء المأمور به في الآية؛ لأن الرسول مفسر للآية ومبين لها، هذه مسألة.


الشرح

([1]) أخرجه: أبو داود رقم (2366)، والنسائي رقم (87)، وابن ماجه رقم (407).

([2]) أخرجه: أبو داود رقم (861)، والترمذي رقم (302).