أحمد، لعموم الحديث،
ولم يقل: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم القليل، بل عمم صلى الله عليه وسلم عن
البول في الماء الدائم، ويدل بمفهومه على أن الماء الجاري أنه لا يتنجس بالبول؛
لأنه يدفع النجاسة بجريه، الذي وقع عليه البول من الجاريات يذهب، ويأتي جاريات
جديدة لم يحصل فيها بول، فالماء الذي يجري لا يؤثر فيه بول الآدميين أو عذرتهم،
وإن كان هذا منهيًا عنه؛ لأنه يكرهه الناس، ويلوثهم، لكن الكلام في النجاسة، لا
ينجس، الماء الجاري لا ينجس بالبول، ولا بما هو أشد منه كالعذرة، فهذا مفهوم
الحديث.
قالوا: فيه نكتة عن
الظاهرية، الظاهرية يقولون بالظاهر، ولا يعتبرون العلل، ولا يعتبرون علل الأحكام
وأسرار الأحكام، يقولون: الرسول نهى عن البول في الماء الدائم، أنه يباشر البول
فيه، أما لو بال في إناء، أو تغوط في إناء، حتى لو كان كثيرًا، ثم جمع البول
الكثير، وصبه لا يؤثر فيه. وعلماؤنا يقولون: هذا جمود، جمود على الظاهر؛ إذ
من المعلوم أن المقصود أن البول يؤثر في الماء، سواء تبول فيه مباشرة، أو تبول
خارجه، وتسرب البول إلى الماء، أو تبول في إناء، وصبه فيه، المعنى واحد، فهذا مما
عابوه على الظاهرية في جمودهم على الظاهر، وعدم اعتبار العلل والأسرار ومقاصد الشريعة،
وهذا مما فوت عليهم كثيرًا من الفقه.
أما المسألة الثانية: وهي قوله: «لاَ يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ»، «لاَ يَغْتَسِلْ»، هذا نهي، والفعل مجزوم بلا الناهية، وعلامة جزمه السكون.