×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الأول

لأن الإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته، يذهب إلى مكان منخفض؛ ليستتر عن الناس بذلك، فهذه الحال سميت غائطًا: ﴿أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ [المائدة: 6]؛ يعني: جاءه أو عرض له قضاء حاجته والاستفراغ من هذا الخبث، سمي غائطًا؛ لأنه لا يكون إلاَّ في مكان منخفض، فعبر باسم المكان من باب التنزه عن ذكر الألفاظ المستقذرة.

«إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ»، أي: أردتم قضاء حاجتكم، «فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ»، وهي الكعبة المشرفة، لا تستقبلوها، أي: لا تجلسوا مقابلين لها في هذه الحالة «بِغَائِطٍ وَلاَ بَوْلٍ»؛ بغائط: أي في حال التغوط، أو ببول: أي بحال التبول، «وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا»، لا تجعلوها خلف ظهوركم في هذه الحالة؛ توقيرًا للكعبة المشرفة، واحترامًا لها، ولما كان لا بد للإنسان أن يكون له جهة حال جلوسه، بين الرسول صلى الله عليه وسلم البديل الذي لا حرج فيه، قال: «وَلَكِنْ شَرِّقُوا»؛ أي: اتجهوا جهة الشرق، «أَوْ غَرِّبُوا»؛ أي: اتجهوا جهة الغرب، وهذا في المدينة النبوية؛ لأنها تقع شمالي الكعبة، فإذا شرق الإنسان، أو غرب صارت على جنبه، صارت الكعبة على جنبه حين تكون مواجهة له، وكذلك مثل المدينة، وكل ما كان شمالي الكعبة في جميع أقطار الأرض، فمن كان شمالي الكعبة، فإنه يتجه إلى الشرق أو الغرب حال قضاء حاجته، وكذلك من كان في جنوب الكعبة، فإنه أيضًا يشرق أو يغرب؛ لتكون الكعبة المشرفة إلى جنبه، أما من كان في الشرق، أو كان في الغرب،


الشرح