×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الأول

وقال له: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ»، «عليك» هذه كلمة حث: عليك بكذا؛ أي: أحثك على كذا، وهي بمعنى اسم فعل الأمر: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ [المائدة: 105]؛ أي: الزموا أنفسكم، فهي كلمة حث وإغراء، عليك بالتراب؛ أي: استعمله في التيمم؛ «فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ»؛ أي: يكفيك عن الماء؛ لأن الرجل قال: «وَلاَ مَاءَ»، فدل على أنه إذا لم يوجد ماء، فإنه يعدل إلى التيمم، وهذا كما في الآية: ﴿فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا [المائدة: 6]، والصعيد هو التراب، والصعيد: ما علا على وجه الأرض من تراب أو غبار، فيتيمم به من لا يجد الماء.

فهذا الحديث فيه مسائل:

المسألة الأولى: فيه وجوب صلاة الجماعة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم استنكر على هذا الرجل اعتزاله عن الجماعة، وهو لا يستنكر إلاَّ على من ترك واجبًا، فدل على أن صلاة الجماعة واجبة، ولا يجوز للإنسان أن ينفرد، وهو من جملة أدلة وجوب صلاة الجماعة.

المسألة الثانية: في الحديث أن العالم يستفصل ممن يرى عليه ملاحظة، يستفصل منه ليعرف عذره، ثم يبين له الحكم الشرعي، ولا يستعجل بالإنكار عليه، بل يرفق به، ويسأله، ويستفصل منه، هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مع أصحابه، ومع من يريد أن يعلمه، ومع الجهال، وما كان يعنف عليهم ويقسو عليهم؛ لأنهم جهال، والجاهل معذور، لم يترك الحق عنادًا؛ حتى يعنف عليه، وإنما تركه عن جهل، فمثل هذا يرفق به، ولا يعنف عليه، ففيه الرفق في التعليم، والرفق في إنكار


الشرح