×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الأول

 وفي روايةٍ أنهم يصلون الفجر مستقبلين بيت المقدس على الأصل، فجاءهم رجل من الصحابة، وأخبرهم أن الله جل وعلا أنزل على نبيه قرآنًا باستقبال الكعبة المشرفة، فاستقبلوها، قال لهم: فاستقبلوها، فاستداروا وهم في الصلاة إلى الكعبة، فكانت أول صلاتهم إلى مسجد الشام، وآخر صلاتهم إلى الكعبة، فهذا فيه دليل على مسائل عظيمة:

المسألة الأولى: فيه العمل بخبر الواحد، إذا كان ثقة؛ فأهل قباء عملوا بخبر هذا الواحد، وهو يفيد العلم، ويفيد اليقين، لا كما يقوله علماء الكلام: أن خبر الواحد يفيد الظن. لا، خبر الواحد إذا صح يفيد اليقين؛ لأن الصحابة قد قبلوه، وبنوا عليه؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرسل مراسليه أفرادًا إلى أمرائه، ولم يكن يرسل جماعات، فدل على قبول خبر الواحد، وأنه يفيد العلم، ويجب العمل به، هذه مسألة، وهي مسألة أصولية.

ثانيًا: فيه أن أهل قباء بنوا على الأصل قبل أن يبلغهم الناسخ، فصلوا أول صلاتهم إلى الشام عملاً بالأصل، فلما بلغهم الناسخ، عملوا بالناسخ، وتركوا المنسوخ، هذا فيه دليل على أنه يجب العمل بالناسخ، وترك المنسوخ، وفيه دليل على أنه من لم يبلغه الناسخ، وبقي على الأصل؛ أن عمله صحيح؛ ولهذا لم يعيدوا صلاتهم، ولم يكن أول صلاتهم باطلاً؛ لأنهم قد بنوا على الأصل قبل أن يبلغهم الناسخ، فدل على أن العمل بالأصل قبل أن يبلغ الناسخ أنه عمل صحيح، وأنه لا يجب التحول عن الأصل، إلاَّ بعد العلم بنسخه، وهذه أيضًا مسألة أصولية أخرى.


الشرح