تفوت حاجته، إذا طولت عليه، والدين دين اليسر ورفع الحرج ودين التأليف وعدم التنفير، فهذا فيه الغضب عند إنكار المنكر من أجل ردع الناس، وأن التطويل الذي يشق على المأمومين أنه منكر يقتضي الإنكار والغضب، وإن كان صاحبه، يريد الخير لكن هذا ليس بخير؛ لأنه يحصل به تنفير، والتنفير هذا ليس بخير، وكما ذكرنا القاعدة: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وتأليف الناس مقدم على تنفيرهم، فهذا يدل على مسؤولية الإمام، وأنه يراعي المأمومين، وأن من خرج عن هذا النظام الشرعي؛ أنه فعل منكرًا ينكر عليه، ولو كان في نفسه أنه خير، هو منكر لأنه في غير محله، ولما صلى معاذ رضي الله عنه بأصحابه، وقرأ سورة البقرة، وكان خلفه رجل معه نواضح؛ يعني: معه إبل يثني عليها، معاذ استمر في الصلاة، الرجل خشي على نواضحه أن تضيع، فنوى الانفراد، وأكمل صلاته منفردًا، وسلم، وذهب، أخذ نواضحه وذهب لشغله، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، معاذ لما بلغه الخبر غضب على هذا الرجل، وتكلم فيه، انتهى الأمر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم استدعى معاذًا، وقال له: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ»([1])، فتان يعني: تفتن الناس، فيتكلمون، ويتحرجون، معاذ بن جبل عالم الصحابة، قال له: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ»، فدل على أن الإنسان - ولو كان من أهل الفضل وأهل العلم - إذا فعل فعلاً يخالف المشروع، أنه ينكر عليه،
([1]) أخرجه: البخاري رقم (705)، ومسلم رقم (465).