ولم يضع بعض هذه الأعضاء على الأرض، لو رفع يديه أو إحداهما، أو رفع جبهته، وسجد على أنفه، أو رفع إحدى ركبتيه، أو رفع قدميه وهو ساجد على الأرض، فإنه لا يصح سجوده؛ لأنه خالف ما أمر الله به، وما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، أما لو كان عنده عاهة فلا يستطيع وضع بعض هذه الأعضاء بسبب العاهة، هذا معذور لا حرج عليه: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾ [التغابن: 16]؛ وكذلك إذا تعذر سجوده على الجبهة، فإنه لا يسجد على بقية الأعضاء، بل يومئ بالسجود، فلو كان يستطيع السجود على اليدين وعلى الركبتين وعلى أطراف القدمين، لكن ما يستطيع وضع جبهته على موضع السجود لآفة فيها، فإنه لا يسجد على الأعضاء، بل يكتفي بالإيماء برأسه؛ لأن هذه الأعضاء تابعة للجبهة، أصل السجود هو وضع الجبهة على الأرض تعظيمًا لله، ويضع أشرف أعضائه على الأرض تعبدًا لله؛ ولذلك السجود هو أقرب ما يكون العبد إلى الله جل وعلا؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ»([1])، وقال: «وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ»([2])، فهو أعظم هيئات الصلاة تعظيمًا لله وخضوعًا بين يديه، وأن العبد يجعل أشرف أعضائه -وهو الوجه- على الأرض أو على موضع سجوده، وهؤلاء المستكبرون أبوا أن يسجدوا: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرۡكَعُواْ لَا يَرۡكَعُونَ﴾ [المراسلات: 48]؛
([1]) أخرجه: مسلم رقم (482).