لما مات الصحابة رضي الله عنهم، أشكل عليهم أن يدفنوا الرسول صلى الله عليه وسلم: هل يدفنونه مع الصحابة في البقيع، فهداهم الله إلى أن يدفنوه في بيته؛ حفاظًا عليه من الغلو؛ لأنه لو دفن في البقيع، ورآه الناس، لغلوا في قبره؛ كما غلت اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم، فالله حماه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال في حياته: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ»([1])، فالله استجاب دعاءه، وهدى الصحابة إلى أن يدفنوه في حجرته التي مات فيها، وهي حجرة عائشة رضي الله عنها، وبقي مصونًا لا يصل إليه أحد، ولن يصل إليه أحد بإذن الله، ولا يرى قبره أحد، وهذا من لطف الله بهذه الأمة وحمايته لهذا الدين، فدفن صلى الله عليه وسلم في حجرته، وكانت خارج المسجد، فلما وسع المسجد على عهد الوليد بن عبد الملك أحد خلفاء بني أمية، أدخل الحجرة في المسجد، وهذا غلط منه، وخطأ لم يوافقه عليه أهل العلم، وإنما هو تصرف شخصي لا يوافق عليه، ولكن القبر - ولله الحمد - لا يزال في صيانة وفي حفظ وحماية من أن يقع عنده ما يقع عند قبور الأنبياء والأولياء والصالحين، مع أن للطف الله عز وجل أن قبور الأنبياء غير معروفة، وليس هناك قبر نبي معروف، إلاَّ قبر نبينا صلى الله عليه وسلم، ومع هذا صانه الله وحماه، فدفنه صلى الله عليه وسلم في حجرته لهذا الغرض العظيم، قالت عائشة: «وَلَوْلاَ ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا»، فهذا من لطف الله سبحانه وتعالى بهذه الأمة؛ لئلا تغلو في نبيها؛ كما غلت اليهود والنصارى القبوريون في قبور الأولياء والصالحين،