×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الأول

«لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ»؛ لأنهم كانوا في الجاهلية إذا مات الميت، فإن النساء تشق الجيوب، أي: تشق ثيابها من الجزع، وتلطم خدودها بالعصي أو بأشياء نحوها، أو تخمش وجوهها من الجزع.

«وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ»، وهو أن يقول: وا فلان، وا عضداه، وا ظهراه، وا كذا، وا كذا، ينادي الميت، ويندبه، هذا من دعوى الجاهلية، ودعوى الجاهلية تعم كل شيء منسوب إلى الجاهلية، فهو من الجاهلية، والله جل وعلا نهى عن أمور الجاهلية في ثلاث آيات، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ [الفتح: 26]، فنهى عن حمية الجاهلية، وقال لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم ولنساء الأمة جميعًا: ﴿وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ [الأحزاب: 33]، فنهى عن تبرج الجاهلية، ونهى عن حمية الجاهلية، ونهى عن حكم الجاهلية: ﴿أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ [المائدة: 50]، فكل ما ينسب إلى الجاهلية، فهو مذموم، ولا يجوز التشبه بالجاهلية في الأقوال والأفعال، ولما حصل نزاع بين فتيين من الفتيان - واحد من الأنصار، وواحد من المهاجرين - في بعض الغزوات، حصل بينهما تضارب، فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»([1])، فلا يجوز للإنسان أن يدعو بدعوى الجاهلية، ويتعصب لقبيلته، المسلمون إخوة كلهم،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (4905)، ومسلم رقم (2584).