×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الأول

 والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الحديث مصرفًا واحدًا، وهو الفقراء، فدل على أنه يجوز صرف الزكاة في مصرف واحد من الثمانية، وهذا هو مذهب الجمهور، وقوله: «فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»، دليل على أن فقراء البلد أولى بزكاة المال من غيرهم من البلاد الأخرى؛ لأنهم ينظرون إلى هذا المال، ويتطلعون إلى زكاته، فهم أولى به من غيرهم، فتصرف زكاة كل مال في فقراء بلده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»، تؤخذ، من الذي يأخذها؟ يأخذها ولي الأمر، ويصرفها في مصرفها الشرعي، تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم، وإن دفعها هو وأعطاها لمستحقيها، أجزأ ذلك، وإن طلبها ولي الأمر، وجب دفعها إليه، وتكون تحت مسؤوليته، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» هذا تحذير من الظلم، وأن يؤخذ أكثر من الواجب، إلاَّ بطيب نفس من صاحبها، فالواجب في الزكاة الاعتدال، لا تؤخذ من الجيد، ولا تؤخذ من الرديء، وإنما تؤخذ من المتوسط، لا تؤخذ من أجود المال، ولا تؤخذ من رديء المال، وإنما تؤخذ من المتوسط؛ لأنها مواساة، فإن أخذت من أجود المال، هذا فيه إضرار بالمزكي، وإن أخذت من رديء المال، هذا فيه إضرار بالفقير، ولهذا قال جل وعلا: ﴿وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ والخبيث هنا: هو الرديء من الأموال: ﴿وَلَسۡتُم بِ‍َٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267]، أنت ما تخرج الصدقات والأموال إلاَّ لنفسك، أما الله، فهو غني عنها سبحانه وتعالى، فإن أخرجت جيدًا، فهو لك، وإن أخرجت رديئًا، فهو لك، لك أنت.


الشرح