×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الأول

عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَيَصُومُ»([1]).

 

هذا فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، لماذا قالت: «وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ»؟ لترفع توهم أن تكون الجنابة عن احتلام، وتقرر أن الجنابة عن جماع، وليس عن احتلام.

فدل هذا الحديث على: أنه يستحب للإنسان أن يستمر في الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: ﴿فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]، فجعل الغاية لنهاية الجماع ونهاية الأكل والشرب طلوع الفجر. ومن لازم ذلك إذا جامع عند طلوع الفجر، أن يؤخر الاغتسال، ويكون الاغتسال بعد الفجر، فدل على صحة الصيام من الجنب، وأنه لا يشترط للصيام الطهارة مثل الصلاة، الصلاة يشترط لها الطهارة، أما الصيام، فلا تشترط له الطهارة بدلالة هذا الحديث، فإن من لازم أن من يجامع إلى أن يطلع الفجر، أن يلزم ويمسك للصيام، ولو لم يغتسل، وله أن يؤخر الاغتسال، وكذلك الحائض والنفساء، إذا انقطع دمهما عند الفجر، فإنهما تتسحران أولاً، ثم تؤخران الاغتسال إلى بعد طلوع الفجر، وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى على عباده.


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (1926)، ومسلم رقم (1109).