كما يأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم صام وأمر
بالصيام بناء على رؤية ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-، وفي مرة أخرى أمر الناس
بالصيام بناء على رؤية الأعرابي، الذي جاء، وأخبره أنه رأى الهلال، فالمراد به: «رَأَيْتُمُوهُ»؛
يعني: يراه واحد عدل من المسلمين، فإذا رآه واحد، لزم الناس كلهم الصوم؛ لأن
المراد: «رَأَيْتُمُوهُ»؛ يعني يراه جماعة، أو تروه كلكم، هذا يبينه ما
ذكرناه من الأحاديث الأخرى؛ أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمد على رؤية واحد من
المسلمين؛ خلافا لأهل البدع الذين لا يصومون إلاَّ في الليلة الثالثة أو الرابعة،
حتى يراه كل الناس، يرون الهلال كلهم، هذا من الابتداع في دين الله، ومن التنطع
والتشدد في دين الله عز وجل، أما سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي اليسر
والسماحة؛ أنه إذا رآه واحد عدل من المسلمين، فإنه يبنى على رؤيته، ويصام على
رؤيته.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»، هذه العلامة الثانية: إذا لم ير الهلال بسبب الغيم ليلة الثلاثين من شعبان، بسبب غيم أو قتر غطى الأفق، فلم يظهر الهلال، فإننا لا نصوم، بل نكمل شعبان ثلاثين يومًا، «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»، وقد فسرتها الرواية الثانية: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاَثِينَ»([1])؛ لأن الشهر إما تسعة وعشرون وإما ثلاثون، فإن رؤى الليلة الثلاثين، صار الشهر تسعة وعشرين، وإن لم ير، نرجع إلى الحالة الثانية للشهر، وهي إكماله ثلاثين يومًا، وهذا شيء واضح - ولله الحمد -، لا لبس فيه
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1907)، ومسلم رقم (1080).