عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا
الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ
حَارٍّ، وَأَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي
الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ،
فَضَرَبُوا الأَْبْنِيَةِ وَسَقَوْا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله
عليه وسلم: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَْجْرِ»([1]).
هذا يدل - كما دلت عليه الأحاديث التي قبله - أنه يجوز الإفطار في السفر، ويجوز الصيام، وأنه هكذا كانوا يصنعون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من يصوم، ومنهم من يفطر، وأقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، لكن عرضت لهم حالة، وهي أنه اشتد الحر عليهم، احتاجوا إلى الظل من شدة الحر، وأكثرهم ظلا صاحب الكساء، يعني الذي معه ثوب يستظل به، والذي ليس معه ثوب يستظل بيده من شدة الحر، فنتج عن ذلك أن الصائمين تساقطوا، وعجزوا عن الحركة، والمفطرون نشطوا، وقاموا بالعمل، فضربوا الخيام، وسقوا الإبل، وسقوا الركاب؛ لأنهم مفطرون يقوون على العمل، عند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَْجْرِ»، فدل على أنه إذا احتيج إلى الإفطار في السفر أنه أفضل من الصيام، فالذين أفطروا صاروا أكثر أجرًا من الذين صاموا؛ لأنهم قاموا بالعمل، وخدموا إخوانهم، فحصلوا على الأجر في إفطارهم، فدل على أن الذي يأخذ بالرخصة عند الحاجة إليها يؤجر على ذلك، ويكون أكثر أجرا من الذي أخذ بالعزيمة، وهذا يدل على سماحة هذه الشريعة وتيسيرها، ويدل أيضًا على فضيلة خدمة الأصحاب
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2890)، ومسلم رقم (1119).