أما بعد: فهذا كتابُ أحكامٍ في الفِقه، اختَصرتُه حَسَبَ الإمْكَان،
واقتصَرتُ فيه على قولٍ واحدٍ؛ ليكونَ عُمدةً لقارئِه، ولا يَلتبِسَ عليه
الصَّوابُ باختلاف الوُجوهِ والرِّواياتِ.
**********
الشرح
قوله رحمه الله: «فهذا كتابُ أحكامٍ في الفِقه»، لما فرغ
من المقدمة، بيّن الغرض الذي من أجله ألف هذا المتن، فقال: «فَهَذَا»، ما يشار إليه هو كتاب «العمدة».
قوله رحمه الله: «فهذا كتابُ أحكامٍ في الفِقه»، والفقه
هو استنباط الفقه، الفقه في اللغة هو الفهم ([1])، «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا
يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» ([2])؛ يعني: يفهمه الدين
هذا من إرادة الله جل وعلا الخير لعبده.
ومن علامة إرادة
الشر أن الإنسان لا يعبأ بالفقه، ولا يعبأ بالعلم النافع، ويعرض عن ذلك، هذا من
علامة الحرمان والشقاء، هذا في اللغة.
أما في الاصطلاح: فالفقه هو استنباط
الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، فالفقه إذًا مأخوذٌ من الكتاب والسُّنة،
مستنبط، ولا يقدر على الاستنباط إلا أهل العلم، الراسخون في العلم، ما كلٌّ يقدر
على الاستنباط، إلا أهل الرسوخ في العلم، هم الذين يقدرون على استنباط الأحكام من
أدلتها.
قوله رحمه الله: «اختَصرتُه»؛ يعني: ليس مطولاً، في البداية كان مطولاً، لكن الناس المتبدئين ما تحملوا التطويل، فهو اختصره لهم؛ ليترقى بهم في العلم شيئًا فشيئًا، والمختصر هو: ما قل لفظه، وكثر معناه.