وكان العلماء يعنون بهذا الجانب من التعليم في المختصرات؛ مداخل ومفاتيح
للعلوم؛ لأن الطلاب يتدرجون شيئًا فشيئًا، ووضعوا لهم هذه المختصرات: مختصرٌ في
الفقه، مختصر في الحديث، مختصر في التفسير، مختصر في النحو، مختصر في الفرائض
والمواريث، وهكذا، فالمختصرات مداخل للعلوم، لا بد لطالب العلم أن يحفظها، وأن
يتدرج منها إلى ما هو أعلى منها شيئًا فشيئًا، ولا يؤخذ العلم دفعة واحدة، ومن
أراده كله تركه كله، ما يطيعك، العلم لا يأتي إلا بالتدريج شيئًا فشيئًا.
قوله رحمه الله: «اختَصرتُه حَسَبَ الإمْكَان»، حسب ما
أمكنه من الاختصار وتقليل الألفاظ، وتصغير الحجم.
قوله رحمه الله: «واقتصَرتُ فيه على قولٍ واحدٍ»، في
المذهب، ولم يتطرق إلى الخلاف والأدلة؛ لأن هذا يشتت ذهن المبتدئين، يشتت ذهن
الطالب، فهو يعطيه شيئًا فشيئًا؛ مثل: الطفل أول ما يولد، أول ما يولد يعطى شيئًا
من الرضاع ومن الحليب، لا يعطى طعامًا، ثم إذا بلغ الفطام صار يأكل من الطعام،
ويستغني بالطعام عن الحليب، فيفطم عند ذلك، أما لو أنه إذا وضعته أمه، أعطى صحفة
مملؤءة بالرز واللحم، ويدخل في بطنه، مات، ما يستطيع هذا، كذلك طالب العلم، حينما
تحاول شحنه بالأقوال والأدلة والخلافات، فإنه ينقطع، يترك طلب العلم، ويمل، ويفشل،
ولكن لو أعطيته شيئًا فشيئًا، فإنه يتدرج معك، ويسير معك إلى أن يبلغ مدارج الكمال
في العلم.
والله جل وعلا يقول: ﴿وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ﴾ [آل عمران: 79].