يعني: يُسرع في الأشواط
الثلاثة الأولى، مع تقارب الخطى، إذا تمكن من ذلك، إما إن كان هناك زحام، ولا
يتمكن، أو هو ضعيف، أو مريض، فلا يستحب له الرمل، وكذلك المرأة ليس عليها رمل،
إنما هذا خاص بالرجل، وسبب الرمل: أنه لما قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
في طواف عمرة القضية التي قاضى فيها قريشًا على أن يرجع هذا العام، وأن يأتي من
العام القابل، يأتون ويعتمرون، تسمى عمرة القضية؛ لأنها من المقاضاة.
فلما سمعوا بقدوم
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، اجتمعوا في دار الندوة شمالي
الكعبة، وهي مجلس يجلس فيه شيوخهم وأكابرهم، ويتشاورون، كانت في الجاهلية، جلسوا
بدار الندوة يشرفون على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويقولون:يقدم عليكم قوم
وهنتهم حمى يثرب، «وهنتهم»؛ يعني:
أضعفتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَرُوهُمْ
قُوَّةً»، فكان يرمل هو وأصحابه في بداية الطواف ([1])، فلما رأوهم،
قالوا: أنتم تقولون: إنهم هزالى ومرضى، وهم أنشط من الغزلان ([2]).
فأظهروا القوة؛ من أجل أن يغيظوا المشركين، هذا هو السر في الرمل، هذه بدايته، ثم صار سنة مستمرة في الطواف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في عُمَرِه التي جاء بها بعد عمرة القضية كان يرمل، فصار سنة ثابتة مستمرة، وأصلها هو هذا؛ إغاظة للمشركين، الذين يقولون: إن الرسول وأصحابه مرضى من الحمى، ولا يقدرون أن يسرعوا، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يغيظهم بهذا.
([1]) كما في الحديث الذي أخرجه: البخاري رقم (1603)، ومسلم رقم (1262).