×
شرح عمدة الفقه الجزء الأول

فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، كان يحب أن يعيد البيت على قواعد إبراهيم، ولكنه خشي من الفتنة، وأن يقولوا: غيَّر البيت، بناه بناءً غير البناء الأول، فالنبي صلى الله عليه وسلم من باب درأ المفاسد ترك ذلك، ترك بناء البيت على قواعد إبراهيم عليه السلام درءًا للفتنة، وسدًّا للذريعة، هذا المقصود، ولهذا قال لعائشة رضي الله عنها: «لَوْلاَ حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ الْبَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا» ([1])، فترك ذلك من باب دفع المفسدة، وهي أنهم يتكلمون فيه، ويقولون: غيَّر وبدل في الكعبة.

فلما جاء عهد ابن الزبير رضي الله عنهما، هدم الكعبة، وبناها على قواعد إبراهيم، وجعل لها بابين - بابًا من الشرق، وبابًا من الغرب؛ كما كانت على عهد إبراهيم عليه السلام، ثم لما جاء عبد الملك بن مروان، وقتل ابن الزبير، واستولى على مكة، هدم بناء ابن الزبير، وأعادها على ما كانت عليه في الجاهلية، هذا فعل عبد الملك بن مروان رحمه الله، أنتم تعرفون أمور السياسة والمشاحنات.

فلما جاء المنصور العباسي، أراد أن يعيدها على قواعد إبراهيم، فمنعه الإمام مالك رحمه الله، وقال: لا يكون البيت ألعوبة للملوك، منعهم من ذلك، وبقي إلى الآن.

قوله رحمه الله: «وَكُلَّمَا حَاذَى الرُّكْنَ اليَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ، اسْتَلَمَهُمَا، وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ»؛ أي: إن تمكن من استلام الركن اليماني، فهو سنة، وإن لم يتمكن، فإنه يمشي، ولا يشير إليه، ما يشير إلى الركن اليماني، إنما الإشارة إلى الحجر، إذا لم يصل إليه فقط، فالبيت له أربعة أركان:


الشرح

([1]أخرجه: البخاري رقم (1585)، ومسلم رقم (1333).