﴿وَمَكَرُواْ﴾: مكر هؤلاء الأغنياء ﴿مَكۡرٗا كُبَّارٗا﴾ أي: عظيمًا كبيرًا، و«كُبَّار»
صيغة مبالغة، أي: مكروا مكرًا كبيرًا.
مكروا
بأتباعهم وغرروا بهم وأوردوهم الهلاك؛ حيث إنهم منعوهم من اتباع الحق واتباع
الرسول عليه السلام.
﴿وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ﴾
أي: الأصنام التي تعبدونها.
ثم
عَيَّنوا أسماء هذه الآلهة، فقالوا: ﴿وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ
وَنَسۡرٗا﴾، هذه هي أسماء أصنامهم، حثوا قومهم على التمسك بها،
وألا يطيعوا رسول الله عليه السلام بتركها، لعبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا
شريك له.
فهذا
يدل على أن الرسل يَدْعُون إلى ترك عبادة الأصنام وإلى ترك الشرك، ويأمرون
بالتوحيد. هذه هي سُنتهم من أولهم إلى آخرهم، الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، وهو
أول ما يبدءون به دعوتهم؛ لأنه هو الأساس الذي يُبنى عليه ما بعده. أما إذا أقيم
بناء على غير أساس فإنه ينهار ولا ينفع.
فلابد
أولاً من أن تُؤسِّس بإصلاح العقيدة، فإذا صح الأساس فابنِ عليه بقية أمور الدين؛
ولهذا فإن الرسل أول ما يبدءون يبدءون بالأمر بالتوحيد ويَنْهَون عن الشرك، فإذا
استجاب لهم الناس نزلت الشرائع والأوامر والنواهي؛ لأنه ليس هناك فائدة بدون
التوحيد.
عند
ذلك دعا عليهم نوح عليه السلام بقوله: ﴿رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا﴾
فاستجاب الله، فأغرقهم بالطوفان وماتوا عن آخرهم، ولم يَنْجُ إلاَّ نوح ومَن رَكِب
معه في السفينة.
فلما أغرقهم الله جل جلاله، اندفنت أصنامهم في الأرض واختفت، إلى أن جاء عهد المشركين في جزيرة العرب، الذين تركوا دين إبراهيم