ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿فَمَا لَهُمۡ﴾ أي: الكفار، ﴿فَمَا لَهُمۡ عَنِ
ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِينَ﴾، ما لهم؟! ما الذي يمنعهم عن سماع
القرآن، وعن سماع المواعظ، وعن قَبول الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ؟! وأي شيء
يمنعهم عن قَبول التذكرة والتذكير؟!
ليس
هناك مانع؛ لأنه لو كان هناك مانع لكانوا معذورين، لكنهم بَلَغتهم الدعوة وفهموها،
ولم يكن عندهم مانع يمنعهم من قَبولها، فليس لهم عذر، ما منعهم إلاَّ الكِبر
والعناد والحسد... وما أشبه ذلك.
ويَدخل
في هذا مَن يتكبر عن سماع الموعظة، وينفر من مجالس الذكر وينفر من طلب العلم، فإنه
يَدخل في هذه الآية؛ لأنه يكون مُعْرِضًا، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ
عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ﴾ [الأحقاف: 3]، وإن لم يكن يكفر،
فله نصيب من هذه الآية.
فكل
مَن غَفَل عن التذكرة فله نصيب من هذا، بحَسَب موقفه من الدعوة ومن التذكير.
﴿كَأَنَّهُمۡ حُمُرٞ مُّسۡتَنفِرَةٞ ٥٠ فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۢ﴾ ثم
شَبَّههم الله سبحانه وتعالى بالحُمُر، وهي: جمع حمار. فالحُمُر هي التي تفر من
الصائد. هؤلاء إذا رأوا الواعظ والمُذكِّر، هربوا استكبارًا وأَنَفة من قَبول
الذكر وسماعه.
ومِن
هؤلاء مَن يقول: اتركوا الوعظ والتذكير؛ لأن ذلك يُثقل عليهم. ويريدون استمرار
الناس على ما هم عليه من الغفلة، فهم يُشْبِهون الذين قالوا: ﴿قَالُواْ سَوَآءٌ
عَلَيۡنَآ أَوَعَظۡتَ أَمۡ لَمۡ تَكُن مِّنَ ٱلۡوَٰعِظِينَ﴾
[الشعراء: 136].
﴿بَلۡ يُرِيدُ كُلُّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ أَن يُؤۡتَىٰ صُحُفٗا مُّنَشَّرَةٗ﴾ كتبًا مفتوحة من الله. هل بعد هذا التعنت - والعياذ بالله - تعنت؟! ما بعد هذا التعنت والاستكبار تعنت.