فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يَجمع هذه
العظام المتفرقة واللحوم المتمزقة والشعور المتناثرة، قادر سبحانه وتعالى على أن
يعيدها، فالذي خَلَقها أول مرة قادر على إعادتها من باب أَوْلى، قال سبحانه وتعالى:
﴿قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ
أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ﴾
[يس: 79]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ
حَفِيظُۢ﴾ [ق: 4].
فالميت
وإن تحلل وصار ترابًا، فإن الله سبحانه وتعالى يعيده كما كان، ويَجمع عظامه النخرة
الرميم، يعيدها كما كانت. ونَصَّ على العظام لأنها هي هيكل البدن، ثم يكسوها الله
جل جلاله باللحم.
﴿بَلَىٰ قَٰدِرِينَ﴾: نجمعها، ﴿قَٰدِرِينَ﴾: منصوب على الحال، وعلامة نصبه
الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، ﴿عَلَىٰٓ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُۥ﴾
أي: أصابعه.
وهنا
قولان للمفسرين:
القول
الأول: أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعلها كخُفّ البعير
متشابكة ولا يفرقها كما كانت في الدنيا عقوبةً له، فإن هذه الأصابع المختلفة
المتفرقة من عجائب قدرة الله سبحانه وتعالى؛ وذلك من أجل أن يَسْهُل على الإنسان
الأخذ والإعطاء، والقبض والبسط... وغير ذلك، فالله سبحانه وتعالى قادر على أن
يَسْلُب هذه النعمة ويجعلها كخُفّ البعير.
والقول الثاني: لأن البنان هو أعجب ما في الإنسان، وما فيه من الخلقة الدقيقة والعروق الدقيقة والمفاصل. فالأصابع أعجب ما في الإنسان، فإذا فنيت الأصابع في القبر وتلاشت، فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يعيدها كما كانت، مع دقة خلقتها وخفاء معالمها، فلا يُعجزه شيء سبحانه وتعالى، فإذا كان سبحانه وتعالى قادرًا على إعادة البنان، فهو قادر على غيره من