وهذه العين ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا﴾: على
مطلوبهم ورغباتهم، فهم أينما أرادوها وجدوها، ولا يحتاجون إلى كلفة وحفر آبار وتعب
ونفقات، فهي مُيَسَّرة، يفجرونها تفجيرًا حَسَب طلبهم، وليس فيها شُح وانقطاع مثل
ما في الدنيا، ولا تنفد على طول الوقت وكثرة الاستهلاك.
ثم
ذَكَر سبحانه وتعالى أعمالهم التي أهلتهم إلى هذه الكرامة، فقال سبحانه وتعالى: ﴿يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ
وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا ٧ وَيُطۡعِمُونَ
ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا ٨ إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءٗ
وَلَا شُكُورًا ٩ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا
عَبُوسٗا قَمۡطَرِيرٗا﴾.
*
فذَكَر سبحانه وتعالى في هذه الآيات صفات الأبرار، وهي:
الأولى:
أنهم ﴿يُوفُونَ
بِٱلنَّذۡرِ﴾: النَّذْر هو: أن يُلْزِم الإنسان نفسه بطاعة لم
تكن واجبة عليه بأصل الشرع. وهو نوع من أنواع العبادة، فلا يجوز النذر للولي ولا
للقبر ولا للمخلوق؛ لأنه نوع من أنواع العبادة. فمَن نَذَر لغير الله سبحانه
وتعالى فهو مشرك الشرك الأكبر، فالذين يَنذُِرون للقبور والأضرحة، وتُجْمَع نذورهم
في صناديق تسمى «صناديق النذور»، ويقتسمها الطواغيت والسَّدَنة - هذه نذور شركية -
والعياذ بالله -.
وإنما
النذر المشروع الوفاء به هو نذر الطاعة، وقد جاء في الحديث الصحيح، عَنْ عَائِشَةَ
رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ
يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ»
([1]).
فنذر
الطاعة مثل: أن ينذر صلاة أو صيامًا، أو عمرة أو حجًّا، أو صدقة... أو غير ذلك من
أعمال الخير.
فإذا نذر الإنسان نذر طاعة، وجب عليه الوفاء به؛ لأنه التزم به لربه سبحانه وتعالى، فيجب عليه الوفاء به، قال سبحانه وتعالى: ﴿ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ
([1])أخرجه: البخاري رقم (6696).