فهذا ليس تقربًا لله سبحانه وتعالى، وإنما هو
تخلص من هذا الطعام فقط. إنما المَزِيَّة والمدح لمن يطعم الطعام وهو يحبه، إما
لأنه جائع وإما لحاجته إليه، لكنه يُؤْثِر ثواب الله سبحانه وتعالى، فيُطْعِم
الطعام على حبه، قال سبحانه وتعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا
تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ﴾
[آل عمران: 92].
﴿مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا﴾ هذه مصارف الإطعام، وهي: المسكين: وهو الذي يجد
بعض الكفاية. واليتيم: وهو مَن مات أبوه وهو دون البلاغ ولا مال. والأسير:
وهو أسير الحرب ولو كان كافرًا؛ لأنه لا يستطيع السعي للاكتساب وإغناء نفسه. لا
يأسرون المسلمين وإنما يأسرون الكفار، فإذا أُسِر الكافر، فإنه يكون بحاجة إلى
الإحسان.
فيُحْسِنون
إليهم، ويُخْلِصون النية في إطعام هؤلاء، ويقولون لهم: ﴿إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ﴾
أي: رجاء ثوابه.
﴿لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءٗ﴾:
منكم على إحساننا إليكم. لا يريدون أن يَرُدوا عليهم إحسانهم. أيريدون المعاوضة؟
لا، لا يريدون عوضًا عما أنفقوا.
﴿وَلَا شُكُورًا﴾ أي:
ولا نريد ثناء منكم.
وإنما
الحامل لنا على إطعامكم: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا﴾:
فما فَعَلنا هذا إلاَّ أننا نخاف من ربنا سبحانه وتعالى، ﴿يَوۡمًا﴾ وهو يوم القيامة، ﴿عَبُوسٗا﴾ أي: صعبًا ليس فيه بشاشة، ولكنه صعب شديد عسير،
﴿قَمۡطَرِيرٗا﴾ أي: شديدًا مما يَجري فيه من الأهوال.
ثم بَيَّن جزاءهم فقال: ﴿فَوَقَىٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمِ﴾؛ لأن مَن استعد لهذا اليوم بنية صالحة وإخلاص، وقاه الله سبحانه وتعالى شره وسَهَّله عليه. وهذا دليل على أن المسلم يستعد لهذا اليوم ويُخْلِص عمله لله جل جلاله.